فصل: الحديث الحَادِي بعد الْعشْرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث التَّاسِع عشر:

«أَن الْملك الَّذِي رَآهُ عبد الله بن زيد فِي الْمَنَام كَانَ قَائِما».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث شُعْبَة، عَن عَمْرو بن مرّة، عَن ابْن أبي لَيْلَى قَالَ: أحيلت الصَّلَاة ثَلَاثَة أَحْوَال، قَالَ: ونا أَصْحَابنَا أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لقد أعجبني أَن تكون صَلَاة الْمُسلمين- أَو الْمُؤمنِينَ- وَاحِدَة، حَتَّى لقد هَمَمْت أَن أبث رجَالًا فِي الدّور ينادون النَّاس بِحِين الصَّلَاة، وَحَتَّى هَمَمْت أَن آمُر رجَالًا يقومُونَ عَلَى الْآطَام ينادون الْمُسلمين بِحِين الصَّلَاة حَتَّى نقسوا- أَو كَادُوا أَن ينقسوا- قَالَ: فجَاء رجل من الْأَنْصَار قَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي لما رجعت لما رَأَيْت من اهتمامك رَأَيْت رجلا كَأَن عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ أخضرين فَقَامَ عَلَى الْمَسْجِد فَأذن، ثمَّ قعد قعدة ثمَّ قَامَ فَقَالَ مثلهَا، إِلَّا أَنه يَقُول: قد قَامَت الصَّلَاة. وَلَوْلَا أَن يَقُول النَّاس- قَالَ ابْن الْمثنى أَن تَقولُوا- لَقلت إِنِّي كنت يقظانًا غير نَائِم، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لقد أَرَاك الله خيرا؛ فَمر بِلَالًا فليؤذن. قَالَ: فَقَالَ عمر: أما إِنِّي قد رَأَيْت مثل الَّذِي رَأَى، وَلَكِنِّي لما سبقت استحييت...». وَذكر بَاقِي الحَدِيث.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث وَكِيع عَن الْأَعْمَش، عَن عَمْرو بن مرّة، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى قَالَ: ثَنَا أَصْحَاب مُحَمَّد أَن عبد الله بن زيد الْأنْصَارِيّ جَاءَ إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: «يَا رَسُول الله، رَأَيْت فِي الْمَنَام رجلا قَامَ عَلَى جذم حَائِط فَأذن مثنى، وَأقَام مثنى وَقعد قعدة، وَعَلِيهِ بردَان أخضران».
ورَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث أبي بكر بن عَيَّاش، عَن الْأَعْمَش، عَن عَمْرو ابْن مرّة، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن معَاذ بن جبل قَالَ: قَامَ رجل من الْأَنْصَار- عبد الله بن زيد يَعْنِي- إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَن رجلا نزل من السَّمَاء عَلَيْهِ بردَان أخضران، نزل عَلَى جذم حَائِط من الْمَدِينَة، فَأذن مثنى مثنى ثمَّ جلس، ثمَّ قَامَ فَقَالَ مثنى مثنى ثمَّ جلس- قَالَ أَبُو بكر بن عَيَّاش: عَلَى نَحْو من أذاننا الْيَوْم- قَالَ: علمهَا بِلَالًا فَقَالَ عمر: قد رَأَيْت مثل الَّذِي رَأَى، وَلكنه سبقني.
وَرَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ الْحَافِظ أَيْضا من هَذِه الطَّرِيق وَلَفظه: أَن عبد الله بن زيد قَالَ: يَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي لم أكن نَائِما بَين النَّائِم وَالْيَقظَان، رَأَيْت شخصا عَلَيْهِ ثَوْبَان أخضران، قَامَ فَاسْتقْبل الْقبْلَة فَقَالَ: الله أكبر الله أكبر، حَتَّى فرغ من الْأَذَان- مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ- قَالَ فِي آخر أَذَانه: الله أكبر الله أكبر، لَا إِلَه إِلَّا الله، ثمَّ أمْهل شَيْئا، ثمَّ قَالَ مثل الَّذِي قَالَ، غير أَنه قَالَ: قد قَامَت الصَّلَاة- مرَّتَيْنِ- فَقَالَ: علمهَا بِلَالًا. فَكَانَ أول من أذن بهَا، فجَاء عمر فَقَالَ: يَا رَسُول الله، قد أطاف بِي اللَّيْلَة مثل الَّذِي أطاف بِعَبْد الله بن زيد غير أَنه سبقني إِلَيْك.
وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن عبد الله ابْن زيد الْأنْصَارِيّ أَنه قَالَ: لما كَانَ اللَّيْل قبل الْفجْر غشيني النعاس، فَرَأَيْت رجلا عَلَيْهِ ثَوْبَان أخضران وَأَنا بَين النَّائِم وَالْيَقظَان، فَقَامَ عَلَى سطح الْمَسْجِد، فَجعل أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ ونادى... الحَدِيث بِطُولِهِ.
وَرِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ وَأبي الشَّيْخ الأولَى مُنْقَطِعَة؛ فَإِن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى لم يسمع من معَاذ، كَمَا نَص عَلَيْهِ التِّرْمِذِيّ وَابْن خُزَيْمَة.
قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَهُوَ ظَاهر؛ فَإِن ابْن أبي لَيْلَى قَالَ: ولدت لست بَقينَ من خلَافَة عمر... كَمَا سلف فَيكون مولده سنة سبع عشرَة من الْهِجْرَة، ومعاذ توفّي سنة سبع عشرَة أَو ثَمَان عشرَة، وَقيل إِن مولده لست مضين من خلَافَة عمر، فَيكون مولده عَلَى هَذَا بعد موت معَاذ.
قلت: وينكر حِينَئِذٍ عَلَى الْحَاكِم؛ فَإِنَّهُ أخرج حَدِيثا فِي كتاب التَّفْسِير من مُسْتَدْركه من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن معَاذ، ثمَّ قَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد وَرِوَايَة أبي الشَّيْخ الثَّانِيَة مُنْقَطِعَة أَيْضا؛ فَإِن ابْن أبي لَيْلَى لم يسمع من عبد الله بن زيد أَيْضا كَمَا نَص عَلَيْهِ التِّرْمِذِيّ أَيْضا فِي حَدِيث آخر، لَكِن يُمكن سَمَاعه مِنْهُ فَإِن عبد الله بن زيد توفّي سنة اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَابْن أبي لَيْلَى ولد سنة سبع عشرَة كَمَا سلف.
وَقَول ابْن أبي لَيْلَى فِي رِوَايَة أبي دَاوُد: ثَنَا أَصْحَابنَا، قَالَ الْمُنْذِرِيّ: إِن أَرَادَ بِهِ الصَّحَابَة فَيكون الحَدِيث مُسْندًا؛ وَإِلَّا فَهُوَ مُرْسل، وَقد سمع من جمَاعَة من الصَّحَابَة.
قلت: المُرَاد هُنَا الأول، يُؤَيّدهُ رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: ثَنَا أَصْحَاب مُحَمَّد. فَهِيَ مُتَّصِلَة من غير شكّ؛ لما عرفه من مَذَاهِب أهل السّنة فِي عَدَالَة الصَّحَابَة، وَأَن جَهَالَة الِاسْم فيهم غير ضارة، لَا جرم قَالَ ابْن حزم:
إسنادها فِي غَايَة من الصِّحَّة. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: رجالها رجال الصَّحِيحَيْنِ.

.الحديث العشْرُونَ:

أَن بِلَالًا وَغَيره من مؤذني رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا يُؤذنُونَ قيَاما.
حَدِيث بِلَال فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: كَانَ الْمُسلمُونَ حِين قدمُوا الْمَدِينَة يَجْتَمعُونَ يتحينون الصَّلَاة، وَلَيْسَ يُنَادي بهَا أحد، فتكلموا يَوْمًا فِي ذَلِك، فَقَالَ بَعضهم: اتَّخذُوا ناقوسًا مثل ناقوس النَّصَارَى وَقَالَ بَعضهم: قرنا مثل قرن الْيَهُود. فَقَالَ عمر: أَولا تبعثون رجلا يُنَادي بِالصَّلَاةِ؟ فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا بِلَال، قُم فَنَادِ بِالصَّلَاةِ.
لَكِن قد يُقَال: هَذَا النداء الْمَأْمُور هُوَ الْإِعْلَام لَا الْأَذَان الْخَاص؛ فَإِن ذَلِك قبل مَشْرُوعِيَّة الْأَذَان، وَأَيْضًا فقد يكون المُرَاد قُم واذهب إِلَى مَوضِع بارز فَنَادِ فِيهِ بِالصَّلَاةِ ليسمعك النَّاس من الْبعد، وَلَيْسَ فِيهِ معرض الْقيام فِي حَال الْأَذَان.
فِي خلافيات الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الْحسن أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِلَالًا فِي سفر فَأذن عَلَى رَاحِلَته، ثمَّ نزلُوا فصلوا رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ أمره فَأَقَامَ فَصَلى بهم الصُّبْح.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا مُرْسل. قَالَ ابْن الْمُنْذر: أجمع كل من نَحْفَظ عَنهُ من أهل الْعلم عَلَى أَن السّنة أَن يُؤذن الْمُؤَذّن قَائِما. قَالَ: وَقد روينَا عَن أبي زيد صَاحب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت رجله أُصِيبَت فِي سَبِيل الله- أَنه أذن وَهُوَ قَاعد، قَالَ: وَثَبت أَن ابْن عمر كَانَ يُؤذن عَلَى الْبَعِير وَينزل فيقيم، وَأما غَيره من مؤذني رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ الظَّاهِر من فعلهم.
وَفِي النَّسَائِيّ عَن أبي مَحْذُورَة قَالَ: خرجت فِي سفر وَكُنَّا فِي بعض طَرِيق حنين مقفل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من حنين... الحَدِيث، وَفِيه: فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أَيّكُم الَّذِي سَمِعت صَوته أرفع؟ فَأَشَارَ الْقَوْم إِلَيّ وَصَدقُوا، فأرسلهم كلهم وحبسني، قَالَ: قُم فَأذن بِالصَّلَاةِ. فَألْقَى عَلّي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم التأذين هُوَ بِنَفسِهِ» قَالَ ابْن عبد الْحق فِيمَا رده عَلَى الْمُحَلَّى: وَكَذَلِكَ تَلقاهُ الْمُسلمُونَ. قَالَ: وَلم يرو عَن أحد مِنْهُم أَنه أذن قَاعِدا لغير عذر.

.الحديث الحَادِي بعد الْعشْرين:

عَن أبي جُحَيْفَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «رَأَيْت بِلَالًا خرج إِلَى الأبطح، فَلَمَّا بلغ: حَيّ على الصلاة، حَيّ عَلَى الْفَلاح لوى عُنُقه يَمِينا وَشمَالًا وَلم يستدبر».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن عون بن أبي جُحَيْفَة، عَن أبي جُحَيْفَة قَالَ: «رَأَيْت بِلَالًا...» فَذكره كَذَلِك سَوَاء؛ إِلَّا أَنه قَالَ: «وَلم يستدر» بدل «وَلم يستدبر».
وَرَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي صَحِيحَيْهِمَا بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة الْأَخِيرَة، رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن مُحَمَّد بن يُوسُف، عَن سُفْيَان، عَن عون، عَن أَبِيه «أَنه رَأَى بِلَالًا يُؤذن، فَجعلت أتتبع فَاه هَاهُنَا وَهَاهُنَا بِالْأَذَانِ».
وَرَوَاهُ مُسلم مطولا من حَدِيث وَكِيع بِهِ بِلَفْظ: «أتيت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة وَهُوَ بِالْأَبْطح فِي قبَّة حَمْرَاء من أَدَم، قَالَ: فَخرج بِلَال بوضوئه فَمن نَاضِح ونائل قَالَ: فَخرج النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ حلَّة حَمْرَاء كَأَنِّي أنظر إِلَى بَيَاض سَاقيه. قَالَ: فَتَوَضَّأ وَأذن بِلَال فَجعلت أتتبع فَاه هَاهُنَا وَهَاهُنَا يَقُول يَمِينا وَشمَالًا: حَيّ عَلَى الصَّلَاة حَيّ عَلَى الْفَلاح. قَالَ: ثمَّ ركزت لَهُ عنزة، فَتقدم فَصَلى الظّهْر رَكْعَتَيْنِ يمر بَين يَدَيْهِ الْكَلْب وَالْحمار وَلَا يمْنَع، ثمَّ صَلَّى الْعَصْر رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ لم يزل يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة».
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بالاستدارة من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن سُفْيَان، عَن عون، عَن أَبِيه قَالَ: «رَأَيْت بِلَالًا يُؤذن ويدور وَيتبع فَاه هَاهُنَا وَهَاهُنَا، وأصبعاه فِي أُذُنَيْهِ وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قبَّة لَهُ حَمْرَاء- أُراه قَالَ: من أَدَم- فَخرج بِلَال بَين يَدَيْهِ بالعنزة فركزها بالبطحاء، فَصَلى إِلَيْهَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ مر بَين يَدَيْهِ الْكَلْب وَالْحمار وَعَلِيهِ حلَّة حَمْرَاء كَأَنِّي أنظر إِلَى بريق سَاقيه» قَالَ سُفْيَان: نرَاهُ حبرَة.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن عون، عَن أَبِيه قَالَ: «أتيت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرج بِلَال فَأذن، فَجعل يَقُول فِي أَذَانه هَكَذَا- ينحرف يَمِينا وَشمَالًا».
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، عَن حجاج بن أَرْطَاة، عَن عون، عَن أَبِيه قَالَ: «أتيت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْأَبْطح وَهُوَ فِي قبَّة حَمْرَاء فَخرج بِلَال، فَأذن فَاسْتَدَارَ فِي أَذَانه وَجعل أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ أَن بِلَالًا ركز العنزة، ثمَّ أذن وَرفع أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ فرأيته يَدُور فِي أَذَانه».
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث أَحْمد بن حَنْبَل، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن سُفْيَان، عَن عون، عَن أَبِيه قَالَ: «رَأَيْت بِلَالًا يُؤذن ويدور يتبع فَاه هَا هُنَا وَهَا هُنَا وأصبعيه فِي أُذُنَيْهِ، وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قبَّة حَمْرَاء من أَدَم، فَخرج بِلَال بَين يَدَيْهِ بالعنزة فركزها بالبطحاء، فَصَلى إِلَيْهَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يمر بَين يَدَيْهِ الْكَلْب وَالْحمار، وَعَلِيهِ حلَّة حَمْرَاء كَأَنِّي أنظر إِلَى بريق سَاقيه».
ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن بشار، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الثَّوْريّ وَمَالك بن مغول، عَن عون، عَن أَبِيه قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نزل بِالْأَبْطح...» فَذكر الحَدِيث بِنَحْوِهِ.
قَالَ الْحَاكِم: قد اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاج حَدِيث عون غير أَنَّهُمَا لم يذكرَا فِيهِ إِدْخَال الْأصْبع فِي الْأُذُنَيْنِ والاستدارة فِي الْأَذَان، وَهُوَ صَحِيح عَلَى شَرطهمَا جَمِيعًا، وهما سنتَانِ مشهورتان.
وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه من حَدِيث عبد الرَّحْمَن عَن سُفْيَان أَيْضا بِسَنَدِهِ، وَفِيه: رَأَيْت بِلَالًا يُؤذن يتبع بِفِيهِ-وصف سُفْيَان- يمِيل بِرَأْسِهِ يَمِينا وَشمَالًا.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث يَحْيَى الْحمانِي، عَن قيس بن الرّبيع، عَن عون، عَن أَبِيه قَالَ: «رَأَيْت بِلَالًا خرج بالهاجرة وَمَعَهُ عنزة فركزها، ثمَّ قَامَ يُؤذن، فَجعل أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ وَجعل يَقُول بِرَأْسِهِ هَكَذَا يَمِينا وَشمَالًا حَتَّى فرغ من أَذَانه».
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: فِي إِسْنَاده مقَال.
قلت: لَعَلَّه بِسَبَب الطعْن فِي قيس بن الرّبيع؛ فَإِن النَّسَائِيّ تَركه، وَقَالَ السَّعْدِيّ: سَاقِط. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فِي بَاب من زرع أَرض غَيره بِغَيْر إِذْنه: هُوَ ضَعِيف عِنْد أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ. وَأسْندَ الْأَزْدِيّ أَن أَبَا جَعْفَر اسْتَعْملهُ عَلَى الْمَدَائِن فَكَانَ يعلق النِّسَاء بثديهن وَيُرْسل عَلَيْهِنَّ الزنابير. وَقَالَ الْحُسَيْن بن إِدْرِيس فِي الْفُصُول الَّتِي علقها عَن ابْن عمار: قَالَ ابْن عمار: كَانَ قيس عَالما بِالْحَدِيثِ والكتب، فَلَمَّا ولي الْمَدَائِن قتل رجلا- فِيمَا بَلغنِي- فنفر النَّاس عَنهُ.
وَيَحْيَى الْحمانِي حَافظ تكلم فِيهِ أَيْضا، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، وَحط عَلَيْهِ أَحْمد وابْن نمير.
وَرَوَاهُ أَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه من حَدِيث مُؤَمل، عَن سُفْيَان، عَن عون، عَن أَبِيه بِهِ، وَفِيه: «وضع الأصبعين فِي الْأُذُنَيْنِ».
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من حَدِيث يَحْيَى بن آدم عَن سُفْيَان، عَن عون، عَن أَبِيه قَالَ: «رَأَيْت بِلَالًا أذن، فأتبع فَاه هَا هُنَا هَا هُنَا- والتفت سُفْيَان يَمِينا وَشمَالًا».
قَالَ يَحْيَى: قَالَ سُفْيَان: كَانَ الْحجَّاج.... فَذكر عَن عون أَنه قَالَ: واستدار فِي أَذَانه، فَلَمَّا لَقينَا عونًا لم يذكر فِيهِ استدارة.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من حَدِيث إِدْرِيس الأودي، عَن عون، عَن أَبِيه وَفِيه: فَجعل أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ، وَجعل يستدير.
وَرَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ الْحَافِظ من حَدِيث حَمَّاد وهشيم جَمِيعًا، عَن عون، عَن أَبِيه «أَن بِلَالًا أذن لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بالبطحاء، فَوضع أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ وَجعل يستدير يَمِينا وَشمَالًا».
وَرَوَاهُ أَبُو نعيم فِي الْمُسْتَخْرج عَلَى البُخَارِيّ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، نَا سُفْيَان، عَن عون، عَن أَبِيه «أَنه رَأَى بِلَالًا يُؤذن ويدور، فَيتبع فَاه هَا هُنَا وَهَا هُنَا وأصبعاه فِي أُذُنَيْهِ».
وَرَوَاهُ أبو عوانة فِي صَحِيحه من حَدِيث الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن عون، عَن أَبِيه «أَن بِلَالًا أذن لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فرأيته اسْتَدَارَ فِي أَذَانه وَوضع أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ».
وَرَوَاهُ الْبَزَّار فِي مُسْنده بالسند الْمَذْكُور بِلَفْظ «أذن بِلَال فَجعل أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ وَكَانَ يَدُور فِي أَذَانه» وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه بالسند الْمَذْكُور بِلَفْظ: «رَأَيْت بِلَالًا يُؤذن وَقد جعل أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ، وَهُوَ يلتوي فِي أَذَانه يَمِينا وَشمَالًا» وَترْجم عَلَيْهِ إِدْخَال الأصبعين فِي الْأُذُنَيْنِ عِنْد الْأَذَان، إِن صَحَّ الْخَبَر، فَإِنِّي لَا أحفظ هَذِه اللَّفْظَة عَن حجاج، وَلست أفهم أسَمِعَ الْحجَّاج من عون أم لَا؟ فأشك فِي صِحَة هَذَا الْخَبَر؛ لهَذِهِ الْعلَّة.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: الْحجَّاج مُدَلّس فِي الرِّوَايَة؛ فَلذَلِك قَالَ ابْن خُزَيْمَة مَا قَالَ. قَالَ وننبه لما سلف فِي رِوَايَة يَحْيَى بن آدم، عَن سُفْيَان أَنه رَوَى الحَدِيث عَن حجاج وَلما فِي رِوَايَة أبي الْوَلِيد، عَن سُفْيَان حَدثنِي من سمع من عون؛ فَإِن هَذِه شَهَادَة لمن حَدثهُ أَنه سَمعه من عون، فَإِذا كَانَ الَّذِي حدث عَن سُفْيَان هُوَ حجاج، وَالَّذِي حدث سُفْيَان سمع من عون، فالحجاج سَمعه من عون. قَالَ: وَأما قَول ابْن خُزَيْمَة إِنَّه لَا تحفظ هَذِه اللَّفْظَة إِلَّا عَن حجاج فقد جَاءَت من جِهَة قيس بن الرّبيع وَإِدْرِيس الأودي وهشيم عَن عون كَمَا سلف.
وَاعْترض الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ عَلَى رِوَايَة الاستدارة فِي الْأَذَان فَقَالَ: إِنَّهَا لَيست فِي حَدِيث أبي جُحَيْفَة من الطّرق المخرجة فِي الصَّحِيح، قَالَ: وسُفْيَان إِنَّمَا رَوَى الاستدارة فِي هَذَا الحَدِيث عَن رجل، عَن عون وَنحن نتوهمه سمع من الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن عون وَالْحجاج غير مُحْتَج بِهِ، وَعبد الرَّزَّاق وهم فِي إدراجه فِي الحَدِيث، ثمَّ اسْتدلَّ بِأَن رَوَى بِإِسْنَادِهِ إِلَى سُفْيَان، حَدثنِي عون بن أبي جُحَيْفَة، عَن أَبِيه... فَذكر شَيْئا لَيْسَ فِيهِ الاستدارة، وَقَالَ عقبه وَبِالْإِسْنَادِ: نَا سُفْيَان، حَدثنِي من سمع من عون: أَنه كَانَ يَدُور وَيَضَع يَدَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ- يَعْنِي: بِلَالًا قَالَ: وَهَذِه رِوَايَة الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن عون وَذكرهَا بِإِسْنَادِهِ قَالَ: وَقد روينَا من حَدِيث قيس بن الرّبيع، عَن عون: وَلم يستدر. هَذَا آخر كَلَامه. وَبينا حجَّة الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فَقَالَ فِي الإِمام: أما التَّعْلِيل بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الطّرق المخرجة فِي الصَّحِيح فضعيف، وَقد صَححهُ التِّرْمِذِيّ وَهُوَ من أَئِمَّة النَّقْل.
قلت: وَالْحَاكِم أَيْضا كَمَا سلف.
وَأما الحكم بِأَن عبد الرَّزَّاق قد وهم فِي إدراجه فَفِيهِ نظر؛ لِأَنَّهُ قد وَقعت مُتَابعَة لروايته عَن سُفْيَان من جِهَة مُؤَمل، عَن سُفْيَان- كَمَا أسلفناه- من جِهَة أبي عوَانَة.
وَأما قَوْله: نَحن نتوهمه سمع من الْحجَّاج وَأَن هَذِه رِوَايَة الْحجَّاج؛ فقد وَقع ذَلِك مُصَرحًا بِهِ خَارِجا عَن دَرَجَة الْوَهم، كَمَا أسلفناه عَن رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ، وَأَيْضًا فقد جَاءَت الاستدارة من غير جِهَة الْحجَّاج، كَمَا سلفت من حَدِيث إِدْرِيس الأودي، عَن عون من جِهَة الطَّبَرَانِيّ.
فَائِدَة: أَبُو جُحَيْفَة- رَاوِي الحَدِيث وهُوَ بجيم مَضْمُومَة، ثمَّ حاء مُهْملَة مَفْتُوحَة- صَحَابِيّ مَشْهُور، واسْمه: عبد الله بن وهب السوَائِي- بِضَم السِّين الْمُهْملَة وبِالْمدِّ- قَبيلَة نسب إِلَيْهَا- توفّي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ لم يبلغ الْحلم. والأبطح مَوضِع بَين مَكَّة وَمنى يُضَاف إِلَى كل وَاحِد مِنْهُمَا وَهُوَ الْبَطْحَاء.

.الحديث الثَّانِي بعد الْعشْرين:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «يغْفر للمؤذن مدى صَوته».
هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق:
أَحدهَا: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه سَمعه من فَم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول:
«الْمُؤَذّن يغْفر لَهُ مدى صَوته، وَيشْهد لَهُ كل رطب ويابس».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه من حَدِيث شُعْبَة، عَن مُوسَى بن أبي عُثْمَان، عَن أبي يَحْيَى غير مَنْسُوب عَن أبي هُرَيْرَة بِهِ وَاللَّفْظ للنسائي، وَلَفظ أبي دَاوُد: «الْمُؤَذّن يغْفر لَهُ مدى صَوته، وَيشْهد لَهُ كل رطب ويابس، وَشَاهد الصَّلَاة يكْتب لَهُ خمس وَعِشْرُونَ صَلَاة وَيكفر عَنهُ مَا بَينهمَا».
ثَانِيهمَا: وَلَفظ ابْن مَاجَه: «الْمُؤَذّن يغْفر لَهُ مد صَوته ويستغفر لَهُ كل رطب ويابس» وَالْبَاقِي كَلَفْظِ أبي دَاوُد إِلَّا أَنه قَالَ: «حَسَنَة» بدل «صَلَاة».
قَالَ ابْن الْقطَّان: أَبُو يَحْيَى هَذَا لَا يعرف. قَالَ: وَقد ذكره ابْن الْجَارُود فَلم يزدْ عَلَى مَا أَخذ من هَذَا الْإِسْنَاد من رِوَايَته عَن أبي هُرَيْرَة وَرِوَايَة مُوسَى عَنهُ. قَالَ: وَثمّ جمَاعَة يروون عَن أبي هُرَيْرَة كل وَاحِد مِنْهُم يُقَال لَهُ: أَبُو يَحْيَى، مِنْهُم مولَى جعدة ثِقَة، وَآخر اسْمه: قيس، رَوَى عَنهُ بكير بن الْأَشَج، وَآخر لَا يُسمى رَوَى عَنهُ صَفْوَان بن سليم ثِقَة من أهل الْمَدِينَة وذكره ابْن أبي حَاتِم.
قَالَ أَبُو أَحْمد الْحَاكِم فِي كناه: خليقًا أَن يكون هَذَا قيسا الَّذِي رَوَى عَنهُ ابْن بكير وَضَعفه بالجهالة أَيْضا الْمُنْذِرِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ: أَبُو يَحْيَى هَذَا لم ينْسب فَيعرف حَاله- يَعْنِي فَيكون مَجْهُولا ويضعف الحَدِيث من أَجله وَكَذَا.
قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: فِي إِسْنَاده مَجْهُول. وَضَعفه فِي خلاصته أَيْضا لَكِن قد عرفه غَيرهم. وَوَثَّقَهُ قَالَ ابْن حبَان فِي ثقاته: أَبُو يَحْيَى هَذَا اسْمه: سمْعَان الْأَسْلَمِيّ وَنَقله عَنهُ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي تهذيبه وَأقرهُ.
وقد أخرج ابْن حبَان الحَدِيث فِي صَحِيحه من جِهَته فَذكره من حَدِيث أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ، نَا شُعْبَة، عَن مُوسَى بن أبي عُثْمَان سَمِعت أَبَا يَحْيَى يَقُول: سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكره بِلَفْظ أبي دَاوُد إِلَّا أَنه قَالَ: «حسَنة» بدل: «صَلَاة» كَمَا ذكره ابْن مَاجَه، ثمَّ قَالَ: أَبُو يَحْيَى هَذَا اسْمه سمْعَان مولَى أسلم من أهل الْمَدِينَة وَالِد أنيس وَمُحَمّد ابْني أبي يَحْيَى الْأَسْلَمِيّ من جلة التَّابِعين وَابْن ابْنه إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أبي يَحْيَى تَالِف فِي الرِّوَايَات ومُوسَى بن أبي عُثْمَان من سَادَات أهل الْكُوفَة وعبادهم، وَاسم أَبِيه عمرَان.
وَأخرجه أَيْضا شَيْخه ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه عَن بنْدَار عَن مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن، عَن شُعْبَة بِلَفْظ أبي دَاوُد.
وَذكره ابْن السكن فِي صحاحه أَيْضا فصح الحَدِيث إِذا- وَللَّه الْحَمد- وزالت الْجَهَالَة عَنهُ.
وَله طرق أُخْرَى عَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا.
وَله طَرِيق ثَان رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «الْمُؤَذّن يغْفر لَهُ مد صَوته، وَيشْهد لَهُ كل رطب ويابس سَمعه».
وَطَرِيق ثَالِث: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث الْأَعْمَش، عَن مُجَاهِد، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «يغْفر للمؤذن مدى صَوته، وَيشْهد لَهُ كل رطب ويابس سَمعه».
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: وَالْأَشْبَه بِهِ عَن مُجَاهِد مُرْسل.
وَله طَرِيق رَابِع رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث معمر، عَن مَنْصُور، عَن عباد بن أنيس، عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه: «إِن الْمُؤَذّن يغْفر لَهُ مدى صَوته، ويصدقه كل رطب ويابس سمع صَوته، وَالشَّاهِد عَلَيْهِ خمس وَعِشْرُونَ دَرَجَة».
وَله طَرِيق خَامِس: رَوَاهُ ابْن أبي أُسَامَة من حَدِيث شيخ من الْأَنْصَار، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِلَفْظ الْبَيْهَقِيّ.
وَفِي علل ابْن أبي حَاتِم سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ أَبُو أُسَامَة، عَن الْحسن بن الحكم عَن أبي هُبَيْرَة يَحْيَى بن عباد الْأنْصَارِيّ، عَن شيخ من الْأَنْصَار، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «إِن الْمُؤَذّن يغْفر لَهُ مدى صَوته، ويصدقه كل رطب ويابس».
وَرَوَاهُ وهيب، عَن مَنْصُور، عَن يَحْيَى بن عباد، عَن عَطاء، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جرير، عَن مَنْصُور عَن يَحْيَى بن عباد، عَن عَطاء رجل من أهل الْمَدِينَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَوْقُوفا وَلم يرفعهُ، فَقَالَ أَبُو زرْعَة: الصَّحِيح حَدِيث مَنْصُور، قيل لأبي زرْعَة: قَالَ عبد الرَّزَّاق عَن معمر، عَن مَنْصُور، عَن عباد بن أنيس، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا فَقَالَ: حَدِيث معمر وهم.
أَنا أَبُو مُحَمَّد، ثَنَا أبي، عَن الْمُعَلَّى بن أسيد، عَن وهيب أَنه قَالَ لمنصور: من عَطاء هَذَا؛ أهوَ ابْن أبي رَبَاح؟ قَالَ: لَا. قلت: فَهُوَ عَطاء بن يسَار؟ قَالَ: لَا قلت: من هُوَ؟ قَالَ: وَهُوَ رجل.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن نَبِي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ عَلَى الصَّفّ الْمُقدم، والمؤذن يغْفر لَهُ مد صَوته، ويصدقه من سَمعه من رطب ويابس، وَله مثل أجر من صَلَّى مَعَه».
رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده عَن عَلّي بن عبد الله، وَالنَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى قَالَا: ثَنَا معَاذ بن هِشَام، حَدثنِي أبي، عَن قَتَادَة، عَن أبي إِسْحَاق الْكُوفِي، عَن الْبَراء بِهِ، وَهَذَا إِسْنَاد جيد. وَذكره ابْن السكن فِي صحاحه أَيْضا.
الطَّرِيق الثَّالِث عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم:
«يغْفر للمؤذن مُنْتَهى أَذَانه، ويستغفر لَهُ كل رطب ويابس سمع صَوته»، وَفِي لفظ: «يغْفر للمؤذن مد صَوته، وَيشْهد لَهُ كل رطب ويابس سمع صَوته» رَوَى الأول: أَحْمد، وَالثَّانِي: الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عمار بن رُزَيْق، عَن الْأَعْمَش، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عمر. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ ابْن طهْمَان، عَن الْأَعْمَش، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: «الْمُؤَذّن يغفر له مد صَوته، ويصدقه كل رطب ويابس» وسمعته يَقُول: إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الإِمَام ضَامِن، والمؤذن مؤتمن، اللَّهُمَّ أرشد الْأَئِمَّة واغفر للمؤذنين».
وقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: اخْتلف فِي هَذَا الحَدِيث فَقيل: عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عمر، وَقيل: عَن رجل، عَن ابْن عمر، وَقيل: عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس. وَالصَّحِيح الأول.
الطَّرِيق الرَّابِع عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «يَد الله- تبَارك وَتَعَالَى- عَلَى رَأس الْمُؤَذّن حَتَّى يفرغ من أَذَانه وَإنَّهُ ليغفر لَهُ مد صَوته وَأَيْنَ بلغ».
رَوَاهُ ابْن عدي فِي كَامِله من حَدِيث أبي حَفْص الْعَبْدي، عَن ثَابت الْبنانِيّ، عَن أنس، ثمَّ قَالَ: قَالَ عبد الله بن أَحْمد: سَأَلت أبي عَن أبي حَفْص الْعَبْدي، فَقَالَ: تركت حَدِيثه وخرقناه. وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ البُخَارِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث.
الطَّرِيق الْخَامِس: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله: «يغْفر للمؤذن مد صَوته، وَيشْهد لَهُ كل رطب ويابس سَمعه» وسُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ، فَقَالَ فِي علله: يرويهِ عَطاء، عَن أبي سعيد مَرْفُوعا مُتَّصِلا، وَيَرْوِيه أَيْضا عَطاء مُرْسلا، وَهُوَ الصَّحِيح.
الطَّرِيق السَّادِس: عَن جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «يغْفر للمؤذن مد صَوته وَيشْهد لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كل من سمع صَوته من شجر أَو حجر أَو بشر أَو رطب أَو يَابِس، وَيكْتب لَهُ مثل أجر من صَلَّى بأذانه...» الحَدِيث، وَهُوَ طَوِيل نَحْو ورقة، رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي كِتَابه موضح أَوْهَام الْجمع والتفريق فِيمَا رَأَيْته بِخَطِّهِ من حَدِيث عَلّي بن حَرْب، نَا يَحْيَى بن عبد الحميد، نَا عَلّي بن سُوَيْد، عَن نفيع ابْن دَاوُد، عَن جَابر بِهِ.
فَائِدَة: المدى- بِفَتْح الْمِيم- مَقْصُور يكْتب بِالْيَاءِ، وَهُوَ غَايَة الشَّيْء، وَهُوَ مَنْصُوب عَلَى الظّرْف، وَرِوَايَة «مد صَوته» مَرْفُوع عَلَى الفاعلين- كَمَا نبه عَلَيْهِ المطرزي فِي الْمغرب- وَالْمعْنَى: أَن ذنُوبه لَو كَانَت أجسامًا غفر لَهُ مِنْهَا قدر مَا مَلأ الْمسَافَة الَّتِي بَينه وَبَين مُنْتَهى صَوته، وَقيل: تمد لَهُ الرَّحْمَة بِقدر مد الْأَذَان.
وَقَالَ الْخطابِيّ: إِنَّه يستكمل مغْفرَة الله- تَعَالَى- إِذا اسْتَوْفَى وَسعه فِي رفع الصَّوْت فَيبلغ الْغَايَة من الْمَغْفِرَة إِذا بلغ الْغَايَة من الصَّوْت.

.الحديث الثَّالِث بعد الْعشْرين:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم علَّم الْأَذَان مُرَتبا».
هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أسلفنا ذَلِك فِي الحَدِيث الْعَاشِر من رِوَايَة أبي مَحْذُورَة.